فصل: ابتداء دولة الصفار.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل وصيف ثم بغا.

وفي سنة ثلاث وخمسين أيام المعتز اجتمع الجند من الأتراك والفراغنة والأشروسية فطلبوا أرزاقهم منهم لأربعة أشهر وشغبوا فخرج إليهم بغا ووصيف وسيما الطويل وكلمهم وصيف واعتذر بعدم المال وقال: خذوا الزاب في أرزاقكم نزلوا بدار أشناس يتناظرون في ذلك ومضى بغا وسيما إلى المعتز يسألانه في أمرهم وبقي وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فقتله وقطعوا رأسه ونصبوه ثم انفادوا وأهدر لهم ذلك وجعل المعتز لبغا الشرابي وما كان لوصيف وألبسه التاج والوشاحين ثم تغير له المعتز لما عليه من الاستبداد على الدولة وخشى غائلته ومال باطنا إلى بابكيال وداخله في أمره واعتده لذلك ثم زوج بغا ابنته آمنة من صالح بن وصيف وشغل بجهازها فركب المعتز في تلك الغفلة ومعه حمدان بن إسرائيل إلى بابكيال في كرخ سامرا وكانت بينه وبين بغا وحشة شديدة وبلغ ذلك فركب في خمسمائة من غلمانه وولده وقواده وكان أكثرهم منحرفين عنه ولحق بالسن وأقام المعتز على وجل لا ينام إلا بسلاحه ثم تعلل أصحاب بغا عليه فأعرض عنهم وركب البحر راجعا إلى بغداد وجاء الجسر ليلا لئلا يفطن به الموكلون هنالك وبعثوا إلى المعتز بخبره فأمر بقتله وحمل إليه رأسه ونصب بسامرا وأحرقت المغاربة شلوه وكان قصد دار صالح بن وصيف ليثبوا على المعتز.

.ابتداء دولة الصفار.

كان يعقوب بن الليث عمر: الصفر بسجستان وكان صالح بن النضر الكناني من أهل البيت قد ظهر بتلك الناحية وقام يقاتل الخوارج وسمى أصحابه المتطوعة حتى قيل له صالح المطوعي وصحبه جماعة منهم درهم بن الحسن ويعقوب بن الليث هذا وغلبوا على سجستان ثم أخرجهم عنها طاهر بن عبد الله أمير خراسان وهلك صالح إثر ذلك وقام بأمر المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه وكان يعقوب بن الليث شهما وكان درهم مضعفا واحتال صاحب خراسان حتى ظفر به وحبس ببغداد فاجتمعت المتطوعة على يعقوب بن الليث وقام بقتال السراة وأتيح له الظفر عليهم وأثخن فيهم وخرب قراهم وكانت له شرية في أصحابه لم تكن لأحد قبله فحسنت طاعتهم له وعظم أمره وملك سجستان مظهرا طاعة الخليفة وكاتبه وقلده حرب السراة فأحسن الغناء فيه وتجاوزه إلى سائر أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم سار من سجستان إلى نواحي خراسان وعليها يومئذ محمد بن عبد الله بن طاهر وعلى هراة من قبلة محمد بن أوس الأنباري فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم في التعبية فاقتتلوا وانهزم ابن أوس وملك يعقوب هراة وبوشنج وعظم أمره وهابه صاحب خراسان وغيرها من الأطراف وكان المعتز قد كتب له بولاية سجستان فكتب له الآن بولاية كرمان وكان على فارس علي بن الحسين بن شبل وأبطأ عامل الخراج واعتذر فكتب له المعتز بولاية كرمان يريد إعداء كل منهما بصاحبه لأن طاعتهما مهوضة فأرسل علي ابن الحسين بفارس طوق بن الغلس خليفة على كرمان وسار يعقوب الصفار من سجستان فسبقه طوق واستولى عليها وأقام يعقوب بمكانه قريبا منها يترقب خروج طوق إليه وبعد شهرين ارتحل إلى سجستان فوضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعا وأغذ السير فصادفه بعد يومين وركب أصحابه وقد أحيط بهم ففروا ناجين بأنفسهم وملك يعقوب كرمان وحبس طوق وبلغ الخبر إلى علي بن الحسين وهو على شيراز فجمع جيشه ونزل على مضيق شيراز وأقبل عليه يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحم يعقوب النهر بينهما وأجاز إلى علي بن الحسين وأصحابه فانهزموا وأخذ علي أسيرا واستولى على جميع عسكره ودخل شيراز وملكها وجبى الخراج ورجع إلى سجستان وذلك سنة خمس وخمسين ويقال بل وقع بينهما بعد عبور النهر حرب شديدة وانهزم آخرها علي وكان عسكره من خمسة عشر ألفا من الموالي والأكراد ورجعوا منهزمين إلى شيزار آخر يومهم وازدحموا في الأبواب وافترقوا في نواحي فارس وانتهوا إلى الأهواز وبلغ القتلى منهم خمسة آلاف ولما دخل يعقوب وملك فارس امتحن عليا وأخذ منه ألف بردة ومن الفرش والسلاح والآلة ما لا يحد وكتب إلى الخليفة بطاعته وأهدى هدية جليلة يقال منها عشر بازات بيض وباز أبلق صيني ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى سجستان ثم استعاد الخليفة بعد ذلك فارس وبعث عماله إليها.

.ابتداء دولة ابن طولون بمصر.

كان بابكيال من أكابر قواد الأتراك مع بغا ووصيف وسيما الطويل ولما حدثت هذه الفتن وتغلبوا على الخلفاء أخذوا الأعمال والنواحي في اقطاعهم فاقطع المعتز بابكيال هذا أعمال مصر وبها يومئذ ابن مدبر وكان بابكيال مقيما بالحفيدة فنظر فيمن يستخلفه عليها وكان أحمد بن طولون من أبناء الأتراك وأبوه من سبي فرغانة وربي في دار الخلفاء ونشأ ابنه أحمد بها على طريقة مستقيمة لبابكيال خاله وأشير عليه بتوليته فبعثه على مصر فاستولى عليها أولا دون أعمالها والاسكندرية ثم قتل المعتز بابكيال وصارت مصر في اقطاع بارجوع الترك وكان بينه وبين أحمد بن طولون مودة متأكدة فكتب إليه واستخلفه على مصر جميعها ورسخت قدمه فيها وأصارها تراثا لبنيه فكانت لهم الدولة المعروفة.